لكأنها سيف مسلط على رأس المواطنين، عبيد الله الفقراء، منذ ان انتقلت الى حضن الخصخصة.
نعرف ان القطاع الخاص جشع ولا يعنيه من التعامل الا ربحه.. وان له الحق في ان تكون يده اليمنى على جيبه والاخرى على قلبه.
ونعرف ان المبرر الذي اكلوا به عقلنا، لاقناعنا بنعيم الخصخصة، هو ان منطق السوق يقود الى التنافس، والتنافس يصب في مصلحة المستهلك.
هذا نظريا.. والجنات الموعودة من كل التحولات هي دائما وعود نظرية.
اما عمليا، فان هذا الانتقال قد يعني لك ان تصحو ذات صباح فتجد خط هاتفك مقطوعا، وان تراجع ملفك تجد كل الفواتير التي وصلتك ممهورة بختم الامان الذي يثبت انك، مجبر لا بطل، دفعت كل ما عليك في حينه. لتعطل عملك ونهارك، واقفا في الطابور الممل، قبل ان تصل الى موظف، لا تدري لماذا تصيبه عدوى التحصيل، والتعامل معك بفظاظة، وتوتر، أولست انت »مدينا« امامه؟ أوليست تلك فرصة نادرة له ليقف في موقف الدائن؟
وربما كان راتبه هو الاخر لا يكفي لدفع فواتيره، »فيفش خلقه« فيمن قيّضه له الله من عباده.
والا ماذا.. هل تريده ان يفش خلقه في مديره؟ ان يقول ان هذه الفوضى في العمل، تكوّم فوق رأسه والمراجعين والمعاملات فتخنقه؟
واخيرا.. تكتشف مرة انك معاقب على فاتورة لم تصلك بعد.. وانما الامور بالنيات، بل والصناديق مثلها.
لا تجد وسيلة الا ان ترفع صوتك انت الاخر، ان تلجأ الى سيفك الصحفي، وتهدد بنشر الغسيل، وسيلة فعالة تحل مشكلتك ومشكلة كل الطابور الذي يجزيك شكره.
مرة ثانية، تكتشف شيئا اخر، فالبنك الذي دفعت فيه فاتورة اخر شهر قبل اسبوعين، وبعد ايام قليلة من استلامك اياها، تأخر في ايصال المبلغ الى الشركة.. والمسؤول، طبعا انت، وعليك ان تنكد نهارك بالصوت الزاعق »اخي المواطن الخط مفصول بسبب الذمم«. وان لم تكفك العربية، فثمة اعادة للعبارة بانكليزية رديئة.
تترك الهاتف وتنتقل الى المياه، وتصفعك فاتورة تتجاوز »نصف المائة« على حد تعبير جدتك، انت القاطن في شقة صغيرة، في الطابق الرابع، من عمارة لا شرفات لها.. وكل اسرتك شخصان. تعترض وتدفع الستة عشر دينارا، يأتيك المحقق، ويقول فعلا المبلغ غير معقول، ليمضي شهر تعود اليك الفاتورة نفسها مع انذار بالفصل.
وامعانا في اغاظتك وتحديك، تأتي الفاتورة التالية، لك ولكل جيرانك، دون ان تتجاوز احداها الخمسة دنانير.
اي استخفاف بعقول المواطنين وعرقهم، بواجباتهم وحقوقهم، الا يكفيهم من منن مصلحة المياه انهم بغالبيتهم يحملون الغالونات البلاستيكية الى شركات معالجة المياه وتنقيتها التي انتشرت في كل احيائنا. عودة عصرية الى »العين« »النبع« ورحم الله »الجرة«.
الا تعني هذه الكميات الهائلة التي تباع هكذا، حسما من قيمة استهلاك مياه الشركة؟
ولا نقارب الكهرباء لانها برغم سعرها الذهبي – او الماسي، لان اسعار الذهب قد انخفضت – تحافظ على الاقل على انتظامها.
نحن نعرف اننا نعمل لندفع ثمن ما نستهلك، لكن ليس في هذا الجو من الجشع والفوضى.. والتشليح.