لا….

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 05-02-1999

مرة كتب اندريه مالرو:

«ان زعيما كبيرا، هو نتيجة لقاء بين شخصية كبيرة واحداث كبيرة» لكأن الكاتب الذي شكل منظر وثقافة الديغولية، كان يتحدث، دون ان يقصد عن زعيمه، او عن اي زعيم كبير آخر في التاريخ..

وكأنه كان يجيب على السؤال الابدي المطروح عن سبب غياب الكبار.. بل عن سبب حضورهم في الغياب..

فرنسا ديغول، صين ماو، المانيا بيسمارك، بل وحتى هتلر، فيتنام هوشي منه، كوبا كاسترو، ومصر.. بل وعرب عبدالناصر..

اسماء شخصيات فذة.. واسماء اوطان، لا تعني اوطانها الا في مرحلة «احداث كبيرة» كما يقول مالرو.

لكن للسؤال مقلب آخر، اهي التي صنعتهم، ام هم الذين صنعوها.. بديهية ان الانسان هو صانع الحدث، ليست الا الجواب المتسرع وربما السطحي، فثمة احداث تصنع الكبار، لكن المعيار الصعب، يظل، استمرار تأثير هؤلاء في حياة اممهم الى ما لا نهاية.

الأنهم قالوا «لا» في لحظة كان للا فيها ان تصنع تاريخا؟

ام لأن لـ «لا» الكبيرة، التاريخية، وجها آخر هو وجه الـ «نعم» الكبيرة، تلك التي تشكل التحدي الاصعب.

فالـ «لا» للاحتلال، لحرب الافيون، للتخلف، للاذلال الامريكي، للامبريالية، للتخلف، كانت تحمل النعم لبناء الجمهورية الخامسة، لتوحيد وتحرير وبناء الصين، لتنظيف كوبا من المخدرات والاستعباد والتبعية، لبناء السد العالي وتأميم القناة الخ…

لكن هل كان اي تحقيق للنعم ممكنا لولا جرأة واستشهادية اللا؟

قبل ايام، بدأ عرض فيلم روبرت حسين عن شارل ديغول.. وامام القاعة وضعت يافطة كبيرة تحمل عنوانا بليغا:

«الرجل الذي قال لا….»

لم يكن العنوان بحاجة الى سذاجة ان يقول «لا لكذا»، لأن ذلك الرفض الوجودي، هو ما لا يحتاج الى توضيح او تفصيل، انه شيء يلامس الكرامة الوطنية، وحس الحرية والاستقلالية، رفض الاحتلال، ورفض قيمه وثقافته.. رفضا، يضمن من يمارسه التفاف الناس، وشهادة التاريخ.

وعندما حاولت احدى المجلات ان تستفتي عددا من السياسيين الفرنسيين المعاصرين حول الـ «لا» التي يفترض ان تقال الآن.. وجدنا سيلا من المصطلحات والمواقف والقضايا المتوافقة حينا والمتناقضة احيانا.. ولم يعد التوضيح والتفصيل من باب السذاجة..

ربما لأن القضية الكبرى> الحدث الكبير قد انتهى، وربما لأن الشخصية الكبيرة قد غابت..

ترى لو حمل صحفي عربي هذا السؤال الى عدد من سياسيينا، فباية لاءات سيعود؟

باية تناقضات واية توافقات بل بأي كلمات لا تعني معناها، ومصطلحات فارغة الا من موضة تداولها؟

«لا» لماذا؟

و«نعم» لماذا؟

الافضل الا يحاول كاتب ان يدون اجابات تخيلها.. ليترك لكل قارىء ان يتخيل.. يكفيه ان يترك سؤالا واحدا: اهي القضية الكبرى، الاحداث الكبرى هي التي غابت عن الاقتران الذي ذكره مالرو، ام ماذا؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون