في قرية مجدل شمس، كان الشيخ محمود الصفدي يتحدث لمراسل مجلة الاكسبرس الفرنسية في الشهر الاول من عام ،1994 قائلا: انه كلف من قبل دمشق، بالتحدث بخصوص مرتفعات الجولان عن «سلام الفرسان». وفي تعليق الصحفي المذكور على الحديث قال جملتين مهمتين:
ـ «في هذا العالم العربي الذي يسبق فيه القول الفعل، تأخذ الكلمات وقعا واهمية كبيرين».
ـ «من المعروف ان شيئا ما يحدث بين سوريا واسرائيل منذ اشهر. لكن الامور ليست سهلة في الشرق الاوسط، حيث لم تصبح زيارة السادات ممكنة الا بعد ان مهدت لها الطريق عدة حكومات اسرائيلية متوالية».
هذا التمهيد هو ما كان يفعله اسحق رابين، بعد تشكيل حكومته في العام ذاته، عندما تحدث للمرة الاولى عن المفاوضات حول الجولان في اطار القرار 242.
السوريون انفسهم كانوا قد قاموا بدورهم في التمهيد عندما ابلغوا الاسرائيليين عن طريق المصريين والاميركيين، منذ 1992 انهم مستعدون للحوار والمناقشة، غير ان ذلك الاستعداد لم يؤد الى نتيجة لأن شامير كان يرفض الاعلان رسميا، عن استعداده للانسحاب ولو جزئيا من الجولان.
ليأتي رابين ويعلن…، وتنطلق المفاوضات، غير ان الامور بدت حينها عالقة. بين الانسحاب الكامل الذي تريده سوريا والانسحاب الجزئي الذي تريده اسرائيل. وعندما بدا ان رابين بدأ يزيل الحواجز باعلانه انه «ليس كل شبر من الجولان ارضا مقدسة». حصل اغتياله وتوقف كل شيء.
الآن عادت الامور الى التأرجح ذاته. وهو تأرجح لا تكمن خلفياته في البعد الجغرافي الحدودي وحده.
صحيح ان الجولان قلعة طبيعية تشرف كالنسر على الجليل الممتد من طبريا الى منابع الاردن.. فمن تلك الشرفة البازلتية كانت المدفعية السورية تطل منها لتمطر المنطقة قصفا منذ 1965 الى 1967. مما دفع وفدا من ارستقراطية حزب العمل الى التوجه الى وزير العمل خلال حرب الايام الستة، مهددين بان جماعتهم سيجلون عن قراهم اذا لم تقصف اسرائيل الجولان وعليه اتخذ موشي دايان قرار الهجوم بسرعة وحتى دون علم رئيس الاركان.
لكن الجولان هو ايضا قصر للمياه، الرابض على قدمي حرمون، المكسو بالثلج طوال العام، وعليه يقع مركز التزلج الوحيد في المنطقة، كما ان مياهه الذائبة تغذي عدة فروع من فروع الاردن، والتي بدونها ينخفض مستوى طبريا.
لقد حلم السوريون والعرب طويلا بتحويل مجرى النهر، وكان هذا واحدا من المقررات الرئيسية لمؤتمر القمة العربي الاول الذي عقد في القاهرة عام ،1964 بحيث دارت طوال عام 1965 حرب مياه حقيقية على الحدود. لعلها كانت احد الاسباب الرئيسية لحرب 1967.
واذا كانت الاهمية الاستراتيجية قد تراجعت بعد تجربة حرب الخليج، حيث اثبتت صواريخ سكود العراقية، نهاية نظرية الأمن الجغرافي. فان نهاية حرب الخليج، التي عنت حسم حرب النفط، قد شكلت بداية المرحلة الحاسمة من حرب المياه.
كما شكلت بداية مرحلة العملية السلمية التي تعني للجانب الاسرائيلي، قبل كل شيء، تطبيق نظرية السوق الشرق الاوسطية، بما يعنيه ذلك من صناعة، تجارة، وسياحة وثقافة.. الخ وكل ذلك مربوط بشرط الأمن.
واذا كانت الحلقة السورية اللبنانية، ستحتل الرقم 4 في سلسلة المعاهدات، فان اسرائيل تريدها دون شك الاجهاز النهائي، بدليل اعلانها المستمر على اشتراط حضور جميع الدول العربية عملية التوقيع ومشاركتها فيه.