ما من اخرس في الوجود الا الغباء..

حذاء ضخم.. ضخم.. في الاعلى، وتحته بحجم صغير صغير في قاع الفراغ الكبير، امرأة يزيدها تكومها على ذاتها، ولو واقفة، قزمية.. رأسها يميل في انحناءة جانبية الى فوق.. لكن لينظر جزعا الى رهبة القدم المسلطة..

يد واضحة الرجولة، ممدودة مفتوحة، مبسوطة، موطئا رفيفا، لحذاء انيق رهيف، يحمل ساقا نسائية جميلة. هي تطأه برفق وهو يحملها برفق، تماما كما تحمل صينية من فضة كأسا من البلور..

ولن تكون الصدفة هي التي جعلت حذاء المرأة المتقزمة، ذا كعب مربع قصير، بينما حذاء المرأة الاخرى ذو كعب طويل يزيد قامة الساق ارتفاعا.

لوحتان، متقابلتان، بدلالات رهيبة.. لا ادري كيف وفق اليهما الزميل خيري منصور فوضعهما بذكاء فوق جدار مكتبه.. جوهر التقابل، قد يكمن في اتجاه القوة الدافعة.. ففي الاولى ضغط تحجيمي يتحقق رغم الفراغ الكبير الذي يفصل بين الجسمين، الكتلتين.. ضغط من القوي الذي في الاعلى على الضعيف الذي في الاسفل.. يرهبه، يقزمه دون حاجة الى التلامس.. بل قد يكون الايحاء اكثر ثقلا وسطوة.. اذ تصبح المسافة بينهما مساحة ترقب خائف متوجس.. قوة ضغط وترهيب اضافية.

اما في الثانية فقوة ثابتة بهدوء ورفق، ترتفع رافعة الى الاعلى وجودا لا يضغط بثقله، بل يصبو بتوقه الشفاف الانيق الى الارتقاء..

هنا تتحول اليد والقدم الى جناحين وهناك الى مطرقة ووتد.. هنا يجلو الفضاء بالارتقاء، وهناك يختنق بالقهر والقمع.. بالهبوط والغور.. هنا تتطاول قامة الساق.. وهناك تتقزم قامة انسان.

لوحتان، ام اختصار لثنائية العلاقات الانسانية، ليس فقط بين رجل وامرأة، بل وبين حاكم ومحكوم، رئيس ومرؤوس، رقيب وكاتب، اب وابن الى ما لا نهاية له من معادلات قد تتسرع بان تصفها بعلاقة قوي وضعيف، لكن فسحة صغيرة من التأمل تكشف لك ان النتيجة الواحدة، توحد الصفة.. فاما الارتفاع واما الهبوط.. اما الفضاء واما القاع، اما النور واما الظلام.. طالما ان قدر »الاتجاه« لا يمكن الا وان يكون واحدا..

لا يمكنك ان تضغط احدا الى تحت، في ذات الوقت الذي ترتفع فيه انت..

فاما ان تنزلا معا.. واما ان ترتفعا معا..

قدر الثنائيات التي ترتبط باطار وجود واحد.. او باطار مصير واحد..

غريب ان يقوله حذاءان.. لكن.. لا اخرس الا الغباء..