كان واحدا من كتابي المفضلين.. قرأت له، اعجبت بتناوله للعلاقة الشائكة بين اميركا الجنوبية والولايات المتحدة الاميركية، عبر اكثر من عمل روائي ومسرحي مدينا الاستهلاكية الاميركية الشمالية، التي تحاول ان تصادر الانسانية الجنوبية، عبر شخصيات تحمل تعقيدات انسانية كبيرة، يبرع الكاتب في كشف طبقات سيكولوجية متلاحقة، في ذواتها، حتى ليخال لك وانت تقرأ انه يحملك في رحلة لا نهائية عبر النفس الانسانية اللانهائية المجاهل، وببراعة توصلك الى اكتشاف ذاتك كما لم يحصل لك.
رغم شهرته الكبيرة كروائي اساسا، استوقفني عمل مسرحي له »اوركيديا في ضوء القمر« فقمت بترجمته الى العربية، بمتعة كبيرة.
تابعت طروحاته الفكرية المتلاحقة: بدءا بادانة التنكر للهنود الحمر، ولحضارة المايا، والمطالبة باحياء المضامين الانسانية التي تحملها، وتطورا الى تبني فكرة المزيج الحضاري المتكون من هذه الحضارة والثقافات الاخرى التي حملها المهاجرون اليها.
اعجبت كثيرا بفكرة »جده الماضي« التي نظر اليها، واستوحيتها كثيرا فيما كتبت، كما اعجبت بانضمامه الى التيار الرافض لفكرة »اللاتينية«، والداعي الى استبدالها بالايبيرية، وذلك على اساس ان الاولى تسمية تتعلق بالانحياز الى الكثلكه والتعصب لها، مع ما يعنيه ذلك تاريخيا وثقافيا، في حين ان الثانية تسمية تتعلق بالثقافة التي تجمع ما يسمى بالعالم الاسباني، الذي تعتبره الدوائر الثقافية العالمية العليا، اليوم، مرشحا لاحتلال المرتبة الاولى في سلم الابداع الادبي العالمي.
واذا بهذا المبدع المقاتل في مواجهة الاستهلاك والتنكر للتراث والتوجه الطائفي والامبريالية الاميركية، يترك بلاده، ليستقر لا في عاصمة من عواصم الثقافة الاسبانية، وانما في »لندن« الانجلوساكسونية، ويصدر رواية جديدة بطلها يهودي، تسترسل في وصف المعاناة اليهودية ايام النازية، ليرفع في مدريد قبل ايام شعارا جديدا »كلنا يهود«.
رسالة في ملحقنا الثقافي ليوم امس حملت سؤالا: هل لذلك علاقة بجائزة نوبل؟
وهو سؤال من نوع الاسئلة التي تتضمن جوابها، خاصة وان امثلة كثيرة تقف امام فونتيس، وسواه، ملتفعة باغراء يشير باصبعه الى الطريق، وليس بورخيس الاسباني الاخر الا واحدا منها..
لكن ثمة سؤال اخر، ينبع من كون واقع الاشتراط السياسي الضمني، الذي باتت تحمله نوبل، هو واقع تحمله معظم الجوائز التي تعطى في الغرب والتي اتجه معظمها اما الى دعم المنشقين او المعارضين عن الكتلة الشرقية »زمان قوتها، وقوة الرغبة في تدميرها« واما الى دعم الكتاب الذين يسوقون الطروحات اليهودية التي تصب في خدمة اسرائيل، واما دعم الكتاب العرب الذي تقدم اعمالهم الصورة السلبية السوداء للاسلام وللمجتمعات العربية، تضاف اليها مؤخرا صورة »التحاب الجميل« بين الفلسطيني والاسرائيلي، واما الى دعم توجهات سياسية اخرى.
سؤال يدور حول ما اذا كانت الجوائز العربية، الآخذة في التزايد و»لحسن الحظ« قادرة على تبني استهداف قومي انساني حضاري يصب في خدمة قضايا هذه الامة، دون التنكر لكون رأس هذه القضايا يظل في هذا المجال، مستوى العمل الابداعي المعني.