عولمة العيد

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 05-02-1999

جميل ان يتعولم الفرح، ولو مرة كل مئة عام!

ان تتذكر البشرية، ولو مرة في العام، مجتمعة قيم المحبة والسلام، التي جاء بها الطفل الآرامي الى مغارة في فلسطين.

ان يخلق الناس، ولو افتعالا، تاريخا، يكرسونه مفصلا، وموعدا للاثارة والتغيير والبهجة.

لكن، هل كان كل هذا ممكنا حقا؟

هل تعولم الفرح، رغم كل ما حاولت ان توحي به وسائل الاعلام؟

هل تقترب البشرية حتما من قيم المحبة والسلام، وان ادعاها فهل تحمل حقيقة مضمونها كما اراده الناصري؟

حتى الموعد، فان الجغرافيا لم تسمح ابدا بان يكون هو هو، في مختلف ارجاء هذه »الارض« التي اراد لها السلام.

لكأنها، الجغرافيا، تقدم وببساطة ردا على ادعاء العولمة المستحيلة.. وردا على امكانية الغاء الفوارق بين »بني البشر«، حتى في بوصلة الساعة.. فثمة زمن لا مجال لردمه يمدد الهوة بين هذه الامة وتلك، هوة لن تساهم اية عولمة الا في توسيعها.

هي الجغرافيا، تؤكد بزوجها الحتمي من التاريخ، ان فوارق الزمن، هي ايضا فوارق في الخصوصيات، لا يتعارض احترامها مع عولمة جميلة هي عولمة العيد، وعولمة قيمه المنبثقة من المحبة.

مضحك القول بان الاحتفال بالعيد يتناقض مع الخصوصية.

ومؤلم واقع ان هذا الاحتفال بات يفتقر الى هذه الخصوصية.

فالعيد، احتفاء، لا يرفضه عقل.

والعيد قيم لا يرفضها خلق.

والعيد لنا، لانه انتصارها المستمر عبر انتصار تعاليم رسول من بلادنا، تعاليم لم تكن الا استمرارا لتراث هذه البلاد الذي سبق مرحلته.

واذا كانت قيم الناصري لم تسلم من التشويه والتحوير، اما لسبب طبيعي يعود الى امتزاجها بطبيعة الشعوب التي اعتنقتها، واما لتخريب حثيث مدروس مارسته اليهودية على الكنيسة الاوروبية فان ذلك يلقي علينا نحن ابناء الخط الفكري الذي جاءت ضمنه، صيانتها وحراستها واحياؤها.

لكن للعيد الذي لنا، طقوس وعادات وتقاليد، عرفناها اطفالا، وتكرست عبر آلاف السنين، لنجدها تنحسر وتضيع في قرن واحد.

ولنجد ان ثمة من يحتج على فكرة الاحتفال، لا على اسلوب احيائه.

وبحجة الاصالة..

الاصالة التي لا تتعارض مع ماكدونالدز، ولا مع الكوكا كولا، ولا حتى مع صفقات الاسلحة الغربية، او مع انحسار اللغة العربية عن السنة اطفالنا.

واذا كان الفكر الاداري الغربي يعرف ان في احياء الاحتفالات، مصلحة اقتصادية تتمثل في تحريك الاموال، وتفعيل الابداع، وتشغيل اليد العاملة، والادمغة المبدعة.

ومصلحة سيكولوجية اجتماعية، فانه ما من شيء يمنعنا من توظيف ذلك كله وفق اصالتنا.. وعاداتنا..

بل ان نجد فيها فرصة للاحياء، احياء الارث، احياء القيم، واحياء التعاليم التي جسدتها.. باختصار احياء الذات الممتدة الى ابعد من الالفين.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون