شيز وفرينيا!

السياسة العربية الأوروبية، 05-02-1999

اذا كنا نعيش عصر التفريغ، تفريغ المجتمعات والافراد من كثير من المعاني الاصيلة، الحقيقية، لحشودهم باشباه المعاني او بدائلها، فان انعكاس ذلك في اللغة واضح في تفريغ كل الكلمات من معانيها، لتتحول الى نبرات صوتية، تحشى بما اريد لها ولاصحابها، ولا بأس ان تتغير الحشوة، بحسب الظرف.. اولسنا نحن القائلين بان لكل مقام مقالا..

اذن فحين يكون المقام نظاما قمعيا ينفذ سياسة الغرب الاميركي المتهود، يكون غياب الديمقراطية، هفوة بسيطة مغفورة، منسية، بل وربما مطلوبة لكم الافواه »المخربة« للمشروع التعاوني الهادف لعظمة البلاد وخير العباد.. وللضرورة احكامها..

اما عندما ينتهي دور النظام المعني، بالتحلل الطبيعي، او بتحقق الاهداف او انتفائها، او عندما يصدق العميل المسمى حليفا، لقبه التمويهي، واوسمته الكاذبة، ويحاول ان »يخرج فوق اذن السلة«.

او عندما يبرز »حليف جديد« انسب واشد فتوه، واكثر مواءمة لاستراتيجية جديدة«.

فان قلب »العالم الحر« يتفطر على الشعوب المقهورة المضطهدة، وتلتهب فروسيته لنصرتها، وتحطيم الديكتاتور والديكتاتورية، مضحيا بذلك بافتك انواع الاسلحة، حتى المحظور منها، ومضحيا – لا حول ولا – بالبشر من اولئك الذين يعمل على تحريرهم..

اليس هذا ما حدث لاندونيسيا وتيمور الشرقية؟

اليست هناك عشرات الامثلة المشابهة؟

اما اذا كان النظام المجرم المستبد احد اولئك الندرة الذين لم يقفوا بعد في طابور العولمة الاميركية، او هم لا يهللون لذلك، فان الشراسة تكون اشد، وحال الصين ابرز مثال.

او ليس للصيني ان يسأل اليوم، عما تعنيه »تيانمان« التي تدق لها الطبول والدفوف سنويا، ازاء فضيحة مجازر الاميركيين في كوريا مثلا؟

لكن الشيزوفرينيا الرهيبة ازاء »الديمقراطية« لا تتبدى واضحة كما ظهرت في ردّات الفعل العالمية على نجاح الحزب الشعبي الليبرالي، في الانتخابات النمساوية الاخيرة.

اجل، اختار النمساويون، في انتخابات حرة ونزيهة، ان يقولوا نعم لحزب هايدر.

قرروا ان يغيروا التحالف القائم بين المحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين، وان يدفعوا الى مقاعد الحكم بالحزب الذي كان حتى الان في صفوف المعارضة، منحوه ثلاثة وخمسين مقعدا في برلمانهم، ليتجاوز المحافظين بمقعد واحد، ويصبح بذلك القوة السياسة الثانية في المجلس التشريعي.

هذا هو خيار الشعب النمساوي، فبأي منطق يمكن ان نرقب ردّات الفعل التي صدرت فور ظهور النتائج؟

ردات فعل مهتاجة سرت في اوساط جميع وسائل الاعلام التي تسيطر عليها اللوبيات اليهودية في العالم.

لكن الاغرب منها، والاكثر وقاحة، ومخالفة لاعراف السياسة الدولية، هي ردة الفعل الاسرائيلية الرسمية، والتي عبر عنها كل من شيمون بيريز وعازر وايزمن، حيث قال الاول ان ذلك يغير البانوراما السياسية في اوروبا ويثير القلق، في حين استغل الثاني الحدث ليدعو يهود النمسا الى الهجرة الى اسرائيل.. لكأن الاثنين يعزفان معزوفة واحدة، يمهد لها الاول ويرد الثاني.. لتخرج معاريف بصفحة كاملة تحت عنوان: »واحد من كل اربعة نمساويين صوّت لمستشار نيونازي«.

واذا كانت الملاحظة الاولى تكمن في السؤال: كيف تسمح دولة لنفسها بالتدخل في نتائج الخيار الشعبي لدولة اخرى؟

فان متابعة التهديدات تقود الى ملاحظتين:

الاولى: ان التصريحات الاسرائيلية هي بمثابة اعلان حرب، او اعلان بداية حملة للتأثير في شكل التحالف الذي سيعقد، بحيث يبقى المحافظون مع الاشتراكيين، ويبقى الحزب الشعبي خارج الحكم.

والثانية: ان ثمة صحوة اوروبية، تبدو واضحة للمتابع، بخصوص عقدة الذنب ازاء اليهود، وعقدة الخوف من النازية، وهي صحوة تحرص الصهيونية على خنقها في مهدها، لانها تعني بداية نهاية الاحتلال الروحي النفسي اليهودي لاوروبا.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون