ثمة حكمة يابانية تقول: »بعد القول، يظل هناك دائما ما لا يقال« ولكن ثمة حالات تضغط بقسوة هائلة على الروح، فتلغي القول كله، اذ تستقر في الحلق كرة حارقة صلدة.
ثلاثة اشهر وانا احاول ان اقول شيئا في وداع شقيقة روحي، الفنانة- النسمة علياء الشنطي عموره..
ثلاثة اشهر وانا اتسمر ذاهلة اما الورقة ثم تنقض عليها قبضتي مجنونة يائسة، منتقمة من عجزي عن اي تعبير..
وحده وجهها الالهي، الشفاف يطفو فوق الورق، ثم يمتزج بملامح رجاء ابو غزالة، الحبيبة الاخرى التي غيبها المرض الجبار الخبيث..
كانت رجاء تعاند في الاستسلام لفكرة الموت، حتى اللحظة الاخيرة، وتتحدث عن مشاريع »المستقبل«.
وكانت علياء تنصرف باستسلام نبيل، يفيض نصائح تسر بها لصديقاتها الاقرب. من نوع تلك التي لا ننتبه لها الا عندما نقف امام اللا امل..
لكن الموت كان يقضم الخلايا غير عابئ باي موقف نفسي، وغير عابئ بعدم قدرتنا على التصديق بان انسانا مضمخا بالروعة، والابداع، ضاجا بالحياة والمحبة والعطاء، دافقا بالجمال والشباب، يمكن ان يختفي هكذا امام عجز الجميع..
بعد ثلاثة اشهر وجدت ذكرى صديقتي تمسكني من يدي، وتقودني الى مركز »الامل« لعلاج السرطان، واعترف بان هذا التحول العملي، نشأ عندي، بعد جلسة مع سناء المصري، التي جمعتني بها صداقة علياء، جلسة امام صورة ابنتها التي سرقها مرض السحايا، لتكون ردة فعل الام محاربة هذا المرض في كل مكان.. وحديثها عن التجربة المماثلة للدكتور عبدالله الخطيب مع فلذة الكبد والسرطان.
درس كم يفيدنا ان نتعلمه في تحويل احزاننا الى دروع تقي غيرنا من الحزن او على الاقل تخفف حزنه.
صرح يستحق اسمه »الامل« لكنه يبحث عن تمويل للتمكن من الاستمرار في تقديم العلاج لمن لا يملك القدرة على الدفع.
وبرنامج ذكي وعملي، اطلق عليه اسم »الرعاية الصحية« ويتمثل في اشتراك سنوي يبدأ من عشرة دنانير، ويعطي المشترك حق العلاج بنسبة الف الى العشرة، ان احتاج له يوما، كما تعطيه فرصة المساهمة عبر اشتراكه في علاج مريض مصاب وغير قادر على الدفع.
من منا لم يحرقه يوما فقدان قريب او عزيز، بهذا المرض الذي يتحدى كل يوم قدرة العلم؟
من منا لا يحتاج الى ضمان، او الى الاحساس بانه قدم خيرا لمن يحتاجه؟
ومن منا لا يسفح عشرات الدنانير في مصاريف لا فائدة منها ولا خير فيها؟
واذا كان ما يحول دون اقدامنا على هذه المساهمات، عقدة سيكولوجية من مجرد الاقتراب مما يذكر بهذا المرض فان الاوان قد آن لان نتصرف بدوافع العلم والعصر، خاصة بعد ان اصبح من الثابت ان عددا من انواع السرطان قابلة للعلاج اذا ما تم الكشف المبكر عنها، في حين ان سلوك النعامة لا يفيد في درء خطر.
واذا كانت القدرات المالية لبعضنا تفوق عشرة او عشرات الدنانير، فليس اكثر ما يستحق لقب عمل الخير ولو دفعا للبلاء.. او عزاء للضمير..