ليس من المؤكد ان عصرنا هو عصر يحتفي بالبسطاء، بالطفوليين، بأولئك الذين لا يسكنون الرضي والتبجح، الذين يتركون لهمهمات الصمت ان تهدهد حزنهم، واسئلتهم الابدية المنبعثة من عيونهم القلقة.
قد يكون عصر الاحتفاء بالادعياء، بالطواويس، بالمبتهجين بذواتهم وبكل ما يصدر عنها، وبالاجابات الجاهزة في ادراجهم لكل اسئلة الحياة، وبواعث الحيرة. الساخرين من كل حلم لا يصبو الى ريشة اضافية في الذيل، لا في الجانح.
فأين يجد اشباه ريلكه الحالمين مكانهم؟
هؤلاء المحمولون على جناح الهواء، المأخوذون بالكمال، هؤلاء الذين يشبهون انفسهم اكثر فأكثر الى حيث الدهشة، والسحر والضوء.
الذين ينظرون الى كل منجزهم على انه عالم في حالة صيرورة، في طريقه الطويل البعيد اللامتناهي الى الكمال السحري، سراب الصحراء الهارب.
هؤلاء الذين ترهقهم تلك القدرة الابداعية، ذلك الدفع من النسغ الذي يحسون غليانه في عروقهم، ولا يدرون ماذا يفعلون به، يريدون ان يجدوا له شكلا ان يفصلوا له لغة، ما هي الا ثوب من ضوء،شكل هو الحميمية الحقيقية، حدق العمل كله.
ويظل واحدهم تائها في البحث عن اخر.. شاهد متطلب، على هذا النضج، على هذا البحث عن فضاء روحي، ما هو الا تيه راع مترحل، فاذا وقع عليه انقلب كل شيء، وفاض التجلي، من لقاء الضوء بالجسم، والنطفة بالحياة، لتبلغ الرؤية ما لا يرى، تماما كما جعل رودان ريلكه يرى ان «الاقدام تبكي» هي الاخرى او كما جعلته لو اندريا ينتشي فتأخذ الكتابة بالرقص بين انامله، حتى اذا داهمه الشك فكر بتولستوي وخطئه المأساوي الذي تمثل بقمعه لاعماله، واذ تنتصب العبقرية المعذبة امام العبقرية الخالدة، تأتي لو اندريا، اشبه بأوروب في اسطوره قدموس والتنين، تنشر وشاحها تلف به نار التنين فتطفئها، وتمكن قدموس من الانتصار عليه، ثم نزع انيابه السبعة، وزرعها في الارض، لتنبت اعمدة الحكمة السبعة.
ولكن.. بتمن خنق الساحرات – القدر لاوروب.