مساء اليوم تبدأ امانة عمان احتفالها بمئوية عرار، بعض الاطر الشكلية التي لا بد منها، لكن المهم في برنامج الامانة، هو ذلك الطابع العملي الواقعي الذي تتسم به الانشطة التي تتضمنها، فاذا كان المحتفى به رجلا استحق الاحتفاء بعد مئة عام من ولادته.. فلا بد من ان تكون الفعاليات شبيهة به من حيث صفتا الاستمرارية والخلود، واذا كانت القيمة الكبرى لهذا الشاعر تكمن في موقفه الوجودي العميق من الحياة والمجتمع، وموقفه الواضح الملتزم من قضايا وطنه وناسه، فلا بد ان تخطط الفعاليات بحيث تقدم خدمة للوطن وتؤثر تأثيرا عميقا في ناسه خاصة الاجيال الفتية والشابة منهم.
من هنا جاءت فكرة الطبعة الشعبية لتعيد لهذا الشاعر طبيعته الاساسية في الاقتراب من الشعب لا سيما المهمشين والفقراء والمظلومين، ولتفتح له الطريق سهلا الى كل قارىء عربي، انه واحد من اجمل احكام العفو التي صدرت بحق ذلك الشاعر الذي عرف السجن مرات حيا، لكن الاصعب كان سجنه بعد وفاته بعيدا عن الناس الذين عاش معهم ولهم.
كما جاءت فكرة الفعاليات والانشطة في المدارس، ماء مخصبا لتلك النبتة التي ولدت قبل مئة عام، واستزراع جميل لها في آلاف وربما ملايين النفوس الجديدة، التي تشكل حاضر الوطن ومستقبله واذا اضفنا الى ذلك تجربة الكتاب المسموع، لقفز الى الخيال فورا صوته في سيارة اجرة او باص، او ساحة مدرسة او منزل او حتى احتفال رسمي، ولقفز الى الاذن ايضا صوت عرار نفسه يقول لاصحاب هذه الافكار العملية ولامانة عمان: شكرا.
في الجانب الاخر، جاءت فكرة ترجمة كتاب عن عرار يقدم بانوراما كاملة عن سيرته للدكتور زياد الزعبي، ودراسة نقدية حول الفولكلور والمكان في شعر عرار لعبدالله رضوان، ومختارات من قصائد الشاعر، الى اللغات الثلاث: الانكليزية والاسبانية والفرنسية ليشكل فعلا ثقافيا رساليا ذكيا، بحق الاردن كوطن، والعربية كثقافة، اكثر منه بحق الشاعر نفسه: الاردن بجغرافيته، ومقاومته للاستعمار، واتساعه للتمرد والابداع، وعشق ابنائه له، ودورهم في تحديد الشعر العربي، كل ذلك ضمن اطار قومي واضح، كما كان الوضوح ما يزال قائما بعفوية في وجدان جميع الناس ابان حياة الشاعر الذي ولد قبل سايكس بيكو بسبعة عشر عاما.
رسالة بارعة، اعتقد انها شكلت افضل استغلال لهذه الذكرى الوطنية والقومية ولهذا الشاعر المتمرد على كل ما هو غير حقيقي وغير عادل، وغير حر.. وبالنتيجة غير وطني – فضل استغلال من حيث التوجه للغرب بوجه حضاري ثقافي في عينيه الابداع والتمرد، وعلى جبينه الكبرياء والرفض، وعلى شفتيه ابتسامة سخرية من كل الزيف والظلم..
وجه كم تختلف ملامحه عمّا يحاول الكثير ان يرسموه لنا!